ألوانُ التطهّر

Publié le par Vlademir Yebanov Bibovic

 

إلـَى رُوحٍ تـَفـَنـّنَ القـَدَرُ في تـَشكِـيل قـدَرِ فـَنـِّها التـَشكِـيلِـيّ

إلـَى حمّادي السكيك

 

60057_104932256237846_100001632166917_34178_834042_n.jpg


يَعنِدُني القلمُ عن الفِعلِ حَيْرةَ و يَنفـَلِتُ عن الخطّ، و يُبرِحُني بياضُ الوَرَقة سُؤالاً إن كنتُ حقاً قد عرفتـُكَ. فترسُمُني الذِكرى ظِلالَ حًزنٍ و أُمزَجٌ في ألوانِ ماضٍ ليسَ ببَعيدْ


ففِي البَدءِ عرفتـُكَ خَبَرًا نـَفذتَ إلى فضَاءِ السَمْعِ و ترَجـَّلتَ باطِن الصُوَرِ المَحفورَةِ في القلبِ. فوَجَدتـَكَ قد كـُنتَ صَبَغتَ لوحة الذاكرةِ ببَعْضٍ من الألوَانِ زَيـَّنـَتْ، مِن حَيثُ لا أعلـَم، أحلامَ الطـُفولةِ و بَعضـًا مِن عُمرِ الشبابْ. و سَالـَتْ الحَكايَا تـَنقـُل أحاديثَ الرُوحِ و سُكونَ الكـَلامْ. فحَدّثـتـَني علـى ألسِنـَةِ الأحِبّةِ قِصَصًا نـَحْـتـُها السُؤالُ العميقُ و زُخرُفـُها الصَمتُ الحَكيمْ و أحادِيثـًا كـتِـلكَ المَساحة مِن نـُورٍ تـُسافِرُ في أعماقِنا و تـَصْـقِـلُ المَعنىَ الأصِيلْ. و أصْغـَيْتُ لأحلامِكَ في هَمسِ جُدرانِ المَدِينـَة و ضِيَائِها، مَدِينـَة رَوَيْتَ أسْرارَها لـَونـًا و لـَمْ تـَرْوِ في قرارتِكَ عَطـَشَ السُؤالْ. فدامَ فيكَ وَلـَهُ المُريدِنَ، يُسْـقـَوْنَ فَـَيَزدادُ ظـَمَىءُ العِشقِ و يَكبُرُ بهـم تـَوْقُ الحَقيقـَةِ و الجَمالْ

ثـُمّ عَرِفتـُكَ المُبتـَدَأ في جُملـَةٍ خـَطـّتِ الصُدفة مُفرَداتِها. صُدفـَة مَحَتْ خُطـُوطَ الحِساباتِ لِتـَرْسُمَ للأروَاحِ لِقاءً رُغمَ شـُرُودِها النظـَراتْ.. صَفاءٌ كانـَت رُوحُكَ يَوْمَها و مَزْجٌ مِن نـُورٍ عَـمِيق، بـِعُمقِ الحُزنِ الذِي نـَجْهـَلـُهُ و هو في القـَرارِ دَفـِين. و عَظِيمٌ كانَ يَومُها صَمْتـُكَ مُخْبِرًا عن بَليغِ البَيانِ مُفـْصِحًا عن نَـَقاءِ المَعدَنِ و تـَأصّلِ الطِيبَةِ في ذلِكَ الكـَيانْ. عانـَقتُ أطرافَ رُوحِكَ الهائِمَةِ في حَرَمِ المَكانِ فأعْيانِي صَيْدُ أسْرابـِها و قنـَصَنِي لُغزُ السُؤالْ. و لـَبـِثتُ أقـتـَفِي آثارَ كـُنـْهِكَ أيّامًا حتـّى وَجَدتـُنِي أُقذَفُ طـَوْعًا بقـَوْسِ المَحَـبّةِ و سَهْمِ الجَمالْ.. رَقــَبْتـُكَ يَوْمًا تـَزّفُ لـَوْحَاتـَكَ لِعُرْسِ عَرْضِها فتـَجَلـّيْتَ تـَحْنـُو حُنُوّ الأبِ و تـُقـْبـِلُ إقبالَ الأمّ على وَليدِها، تـُصْلـِحُ ما اعوَجّ و تـُسَوّي مَا قـَدْ تـَغـْفـَلُ يَدُ السَاهِينَ عن أنـّهُ جَوْهَرُ الفـَنّ و أصِـيلـِهِ. و تـَدَفـّقَ فـَيْضٌ مِن جَميعِ حَواسِكَ يُباشِرُ هذِه الكائِناتَ المَنـْظورَةَ بـِشغـَفٍ يَتـَجاوَزُ حُدُودَ دَأبِ الآخَرينَ و يَنـْدَفِعُ إندِفاعَ المُشتاقِ إلـَى حَبـِيبـِهِ. رأيْتـُكَ تـُعانِقُ الألوَانَ بـِنظراتِ تِـيهٍ تـُحاوِلُ رَتـْقَ هاجـِسَ الكـَمالِ المُؤرِقِ في فِعْـلِ الخـَلـْقِ. و سَمِعتـُكَ تـُحاكِيها و تـَنـْشـُدُها سُؤالَ الفِردَوْسِ المَفقـُودِ، فتـَرُدّ بـِضـَرْبٍ مِن العَزفِ السِحرِيّ و مِن إنعِتاقِ الخـُلـُودْ، و تـُلقي بـِأضـْوائـِها و ظِلالِها ألحَانـًا عَجيـبَة تـَنفِذ إلى أفـْـنـَانِ الرُوح. و لامَسْـتـُكَ تـَتـَحَسّسُ فـَضاءَ مَحْمَلِها بـِأنامِلِ عاشِقٍ أثـقـَلـَهُ الشـَوْقُ سَاعَة الوَصْـلِ، أو كـَطِفلٍ يَكتـَشِفُ أرجَاءَ الكـَوْنِ. فتـَعبَقُ سَماءُ اللـَوحَةِ نـُورًا و أنوارًا و تـَتـَطـَيّبُ أبْعادُهَا بـِأشـْهَى عُطـُورِ التـَذكـّرِ و الوِلادَةِ، و تـُسْـكـُبُ فيهَا مِن رُوحِكَ قـَطـَراتٌ  شـَذىً نـَبْعُها النـَقاءُ و رٍيحُهَا عِطـْرُ القـُلـُوبْ

وهَا إنـّي أعرِفـُكَ اليَومَ لـَحَظاتَ ذِكـْرَى و رَجْعَ حَنِيـنٍ يُغالِبانِ النِسْيانَ. وهَا إنـّي أرَاكَ رَقـْراقـَة تـَنـْسَابُ غـَصْبًا مِن عُيُونِ الأحِبّةِ هيَ سِنِينٌ مَحَـبّةٌ لا يَعلـَمُ صِدقـَهَا إلاّ مَن خَبـِرَها و عايَشَ ألـْوانـَها. و يُعاوِدُنِي صَدَى نـَبَراتُ كلِماتٍ قـلِيلـَةٍ و إسْمِي، فـيَنـْتابُنِي عَجزُ العِباراتِ أمامَ جَلالِ حُضـُورٍكَ الغائِبِ و أصْمُتُ

 

كـُنتَ لنَا حُلمًا و كانت لـَكَ فينـَا أحلامٌ. و كانَ لكَ فِـيها مَدينـَة و طِفلٌ سَرَقـتـَهُما للمُستـَقبَلِ البَخيلْ و أخْفـَيْتـَهُما عن الزمَن و خلـَطتـَهُما حتـّى أصبَحَا رَفِـيقـَيْنِ. و كانـَا يُولـَدانِ في أنفـُسِنا مَطلـَعَ كـُلِّ رَسْمٍ. فـَيَبقىَ الرَسمُ في أنفـُسِنا زَمَنـًا مِن الأبَدِ، و نـَمْتـَزِجْ.. و قد يَذهَبُ القـَدَرُ بـِعُنصُرِ المادَةِ فِـيكَ و تـَذبُـلُ الأصْبَاغ، فـيَضَلّ الحُلمُ علـَى حَرارَةِ الحَياةِ دائِمًا و يَسْـقـُط سُؤالُ الرَحِيلِ بَاهِتـًا علـَى أْعْـتابِ الخُلـُودْ. و يَنتـَفِي ثِـقـَلُ الجَسَدِ و تـَسْقـُط القِشرَةُ عن لـُبّ الكـَيانْ، فـتـُمْـسِي وَضّاحًا صافِـيًا نـَاصِعًا و قد تـَطـَهّرتَ

 

.إ.


Publié dans نص نثري

Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article